هل نسخ النبي محمد صلى الله عليه وسلم القرآن من الكتاب المقدس؟
كثير من الناس يقولون إن النبي "صلى الله عليه وسلم" قد نسخ القرآن من الكتاب المقدس-نعوذ بالله-.
اليوم يخبرنا التاريخ أن أول نسخة عربية من الكتاب المقدس، أول نسخة مترجمة للكتاب المقدس إلى العربية لم تكن موجودة في فترة حياة النبي "صلى الله عليه وسلم"، أول نسخة مترجمة من العهد القديم كتَبَها سعيد بن يوسف الفيومي سنة 900 ميلادية، أي بعد حوالي أكثر من 250 سنة من وفاة النبي "صلى الله عليه وسلم"، وأول نسخة عربية من العهد الجديد كتَبَها وترجمها "أربنيوس" سنة 1660 ميلادية أي بعد حوالي 1000 سنة من وفاة النبي "صلى الله عليه وسلم"، والسؤال إذن كيف نسخ النبي القرآن من الكتاب المقدس؟!
ونحن نتفق على أنه يوجد تشابه بين الكتاب المقدس والقرآن ولكن ليس لمجرد أنه يوجد تشابه بينهما أن يعني أن القرآن قد نسِخ من الكتاب المقدس، توجد إمكانية أن مصدر كلاهما يكون واحدًا، ونحن نعلم أن مصدر كل وحي منزل هو من الله عز وجل، افترض أن التلميذ (أ) نقل أثناء الامتحان من كتاب العلوم، ونقل التلميذ (ب) من كتاب العلوم أيضًا، فإن هذا لا يعني أن التلميذ (ب) نقل من التلميذ (أ) أو أن التلميذ (أ) نقل من التلميذ (ب)، ولكن الاثنين نقلا من المصدر الأصلي وهو كتاب العلوم، وبالمثل فإن مصدر كل وحي هو من الله عز وجل، وإن نقل أحد من الآخر فلن يذكر الأول اسم من نقل منه، أما القرآن فقد أعطى عيسى "عليه السلام" كل التقدير، فإن كان النبي "صلى الله عليه وسلم" قد نقل القرآن من الكتاب المقدس فما الذي يجعله يعطي عيسى "عليه السلام" كل هذا التقدير؟ لو نقل أحدهم من زميله فلن يذكر أن زميله هذا شخص صالح أو شخص بارع في العلوم، فإن كان النبي "صلى الله عليه وسلم" قد نقل القرآن من الكتاب المقدس، لِمَ أعطى موسى وعيسى والأنبياء جميعًا "عليهم السلام" كل هذا التقدير؟، فإن قالوا إن القرآن قد نُسِخ من الكتاب المقدس والدليل وجود أمور مشتركة بينهما، قلنا إن عيسى "عليه السلام"-نعوذ بالله-قد نقل من العهد القديم والدليل وجود تشابه بين العهد القديم والعهد الجديد، نعلم أن هذا التشابه سببه هو وحدة المصدر وهو الله عز وجل، في الإسلام توجد 4 كتب مقدسة وهي التوراة والزبور والإنجيل والقرآن، التوراة هو الوحي الذي أنزل على موسى "عليه السلام"، والزبور هو الوحي الذي أنزل على داوود "عليه السلام"، والإنجيل هو الوحي الذي أنزل على عيسى "عليه السلام"، وأنزل القرآن آخر وحي على محمد خاتم الرسل "صلى الله عليه وسلم"، ورغم أن كل الكتب المقدسة التي نزلت قبل القرآن فإنها لم تبق على حالها الأصلي، تم تحريفها وتغييرها، إلا أنه مازالت إلى الآن بعض النصوص منها التي لم تُحرف وتُغيّر، فإذا أردت أن تبحث عن النصوص الصحيحة فعليك أن تقارنها بالفرقان وهو القرآن الكريم، فإن وافقت القرآن فليس لدينا مشكلة أن نقبل هذا الجزء من ذلك الكتاب المقدس، يمكن أن يكون من كلام الله، يمكن أن يكون هناك الكثير من الناس ممن يجهلون ما جاء في القرآن والكتاب المقدس، فكيف يعرفون أيهما هو الصحيح أو من نقل من الآخر؟ أفضل اختبار لهذا هو اختبار العلم، إذا أخضِع هذا الكتابان لاختبار العلم سنعلم الفرق بين الجبن والطباشير، عندما نقرأهما بشكل سطحي سنجد أنهما متشابهان ولكن إذا قمنا بالبحث والتحليل سنجد الفرق كالفرق بين الجبن والطباشير.
عندما نقرأ الكتاب المقدس سنجد في سفر التكوين الإصحاح الأول أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، واليوم 24 ساعة كما ذكِر في الكتاب المقدس، تحدث القرآن أيضًا عن خلق الكون وقال إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أيام هي جمع يوم، ومن ضمن معاني كلمات يوم هو 24 ساعة والمعنى الآخر لكلمة يوم في العربية هو فترة طويلة غير محدودة، يقول العلماء اليوم إن الكون خلِق في بلايين السنين، ولذا فإن القول بأن الكون خلِق في ستة أيام واليوم بمعنى 24 ساعة هو قول خاطئ، ولكن لم يستطع العلماء أن يعارضوا قول القرآن بأن الكون خلِق في ستة أيام، فاليوم هنا بمعنى 6 مدد طويلة غير محددة ب 24 ساعة.
وذكِر في الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح الأول الآيات 3 إلى 5 أن الله خلق النهار والليل وخلق الضوء في اليوم الأول، وذكِر أيضًا في سفر التكوين الإصحاح الأول من 14-19 أن مصدر الضوء وهو الشمس والنجوم خلقت في اليوم الرابع، أي خلِق الأثر في اليوم الأول وخلِق المؤثّر في اليوم الرابع، أي خلِقت الشمس والنجوم في اليوم الرابع وخلقت أنوارها في الأول، وهذا غير منطقي، كيف يمكن أن يأتي الأثر قبل المؤثر؟ تحدث القرآن أيضًا عن خلق السماوات والأرض ولكنه لم يعط هذا التسلسل غير العلمي.
وذكِر أيضًا في الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح الأول من 9-13 أن الأرض خلِقت في اليوم الثالث، وفي سفر التكوين الإصحاح الأول من 14-19 أن الشمس والقمر خلِقا في اليوم الرابع، يخبرنا العلم أن الأرض والقمر جزءان من المجموعة الشمسية، ولذا فإن القول بأن الأرض خلِقت قبل الشمس هو قول غير علمي، تحدث القرآن أيضًا عن خلق السماوات والقمر والأرض وقال إنهم خلِقوا معًا، هل تتخيل أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قد نقل من الكتاب المقدس وغيّر التسلسل وقال: لا، إنهم خلقوا معًا!
يقول الكتاب المقدس أيضًا في سفر التكوين الإصحاح الأول من 9-13 أن الله تعالى خلق الخضروات في اليوم الثالث، وفي سفر التكوين الإصحاح الأول من 14-19 أن الله خلق الشمس في اليوم الرابع، وهذا غير ممكن علميًا أن يحيا العشب والبقل بلا أشعة شمس، هذا غير علمي تمامًا!
الكتاب المقدس يقول أيضًا في سفر التكوين الإصحاح الأول رقم 16 أن الله خلق النورين العظيمين، النور الأكبر (أي الشمس) لحكم النهار، والنور الأصغر (أي القمر) لحكم الليل، الكتاب المقدس يقول إن ضوء الشمس مثل ضوء القمر أشعته ذاتية، الكتاب المقدس يقول أن القمر أشعته ذاتية، ولكن القرآن يقول في سورة الفرقان 25 الآية 61 أن نور القمر ليس ذاتيًا بل منعكسًا ومستمدًا من الشمس، هل نتصور أن النبي نقل من الكتاب المقدس وصحح ما فيه؟ القمر نوره ليس ذاتيًا بل منعكسًا! هذا ليس ممكنًا بشريًا، من لديه هذا العلم هو الله عز وجل.
توجد الكثير من الأمثلة، يمكنني أن أعطي محاضرة عن هذا الموضوع فقط، كنت في مناظرة مع دكتور "ويليام كامبل" تحت عنوان (القرآن والكتاب المقدس في ضوء العلم)، وهناك ذكرت العديد من النقاط غير العلمية الموجودة في الكتاب المقدس، ولا يسعني الوقت الآن لذكر كل تفاصيلها، توجد العديد من النقاط غير العلمية المذكورة في الكتاب المقدس والتي لا توجد في القرآن.
فمثلا وفقا للكتاب المقدس هبط آدم "عليه السلام" إلى الأرض قبل 5800 سنة، يخبرنا العلم أن البشر أتوا إلى الوجود قبل ملايين السنين، يتحدث القرآن أيضًا عن آدم "عليه السلام" ولكنه لم يذكر تاريخ هبوطه إلى الأرض، يتحدث الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح من 6-8 عن نوح والطوفان ويقول إن العالم كله غمره الفيضان في عهد نوح أي في حوالي القرن 21-22 قبل الميلاد، تحدث القرآن أيضًا عن نوح "عليه السلام" ولكنه لم يذكر تاريخ ذلك الحدث، وتحدث أيضًا عن الطوفان وقال إن هذا الطوفان أهلك قوم نوح فقط وليس كل العالم، يخبرنا علماء الآثار اليوم أن السلالة الحادية عشر من حكّام مصر والسلالة الثالثة من حكّام بابليون عاشوا بسلام في القرنين 21-22 قبل الميلاد، وبهذا أثبت علماء الآثار خطأ ما ذكِر في الكتاب المقدس إجمالا.
يمكن أن نعطي مئات الأمثلة ولكن الوقت لا يسمح، فالقرآن حتمًا لا يمكن أن يكون قد نسِخ من الكتاب المقدس أو يكون افتراه الرسول "صلى الله عليه وسلم" ، وقد ذكِر ذلك في سورة السجدة 32 الآية 1-2 {أخطأ دكتور ذاكر نايك والمترجم في الاستشهاد بالآية، والصحيح 1-3}: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ".
ونحن نعلم أيضًا أن القرآن الكريم على عكس الكتب المقدسة الأخرى وكتب التاريخ التي كتبها البشر والتي لديها بداية محددة ... كان يا ما كان وقصة الثعالب والعنب كان يا ما كان وقصة الغنم والذئب، أو كما يوجد في الكتاب المقدس: في البدء كان الله، في البدء كانت الكلمة، وهكذا هي كل كتب القصص والتاريخ لديها سياق وتسلسل من البداية إلى النهاية في ترتيب تسلسلي، أما القرآن ففريد، فأول آية نزلت وهي (اقرأ) لا تقع في السورة رقم 1 بل تقع في سورة العلق رقم 96 الآية رقم 1، ليس للقرآن تسلسل، لم يبدأ بقصة آدم "عليه السلام" ثم قصة نوح "عليه السلام" ثم قصة موسى "عليه السلام" ثم قصة عيسى "عليه السلام" ثم قصة النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" ... لا لم يحدث هذا، القرآن لديه ترتيب وتسلسل فريد لا يسيّره عقل بشري أبدًا فالمؤلف ليس بشرًا، توجد أيضًا أشياء كانت غير معلومة ذكرها القرآن يصحبها تحدّ للناس أنهم كانوا لا يعلمونها من قبل، فمثلا ذكِر في القرآن في سورة هود 11 الآية 49: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا" يعطينا الله تعالى معلومات ويقول يا أيها الرسول لم تكن تعلمها ولا قومك يعلموها من قبل، وفي سورة يوسف 12 الآية 2: "وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)"، تصور أن النبي "صلى الله عليه وسلم" يقول عندما أنزل القرآن في الجزيرة العربية أنه لم يكن يعلم أمور الغيب تلك لا هو ولا قومه من قبل أن ينزل القرآن، كان بإمكان أي أحد منهم أن يقول أنا عربي، وأنا أعلم بهذه الأمور من قبل هذا، ذكر القرآن كثيرًا من الأنباء التي حدثت في الماضي كقصة ذي القرنين وقصة أصحاب الكهف، وأكد على أن الناس لم يكونوا يعلموا بها، من يستطيع أن يؤلف كتابًا ويتحدى فيه الناس بقوله إنكم لم تكونوا تعلمون هذه الأمور من قبل؟ وهذا يوضح أن مصدر القرآن ليس بشرًا ولا بكلام بشر.